انطلق الفرنسيون من فكرة التدرج في المطالبات للوصول مع الأميركيين إلى مبتغاهم في لحظة إقليمية معقدة إلى أبعد الحدود. بداية دعا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى تحييد حزب الله عن المواجهة المباشرة مع الأوروبيين، وأقله على الصعيد الفرنسي، لترجمة حلول تصاغ مع الحزب الذي يعد اللاعب المفصلي والأساسي في الحياة السياسية اللبنانية، وكبادرة متقدمة جاءت اللقاءات والتمنيات على الحزب وقادته أو عبر الراعي الإقليمي.
تغيرت لهجة ماكرون بعد اعتذار مصطفى اديب، ففرمل تعويم حزب الله، واطلقت منصات صواريخه هجوماً صاعقاً عليه، كما أنه ألمح الى أن رئيس الجمهورية ميشال عون لا يقوم بمسؤولياته، وذلك من خلال "لطشات" كثيرة في هذا الإطار. كما انه قام بخطوة الى الأمام في ملف سلاح "حزب الله".
عبر رسالة واضحة بأن باريس تقترب من واقع عدم الفصل بين جناح سياسي وآخر عسكري لدى "الحزب". اتى ذلك بعد الضغوط الاميركية على لبنان والموقف السعودي الأخير، مما سبب تغييراً في خطابه تجاه الحزب، بعد محاولة استمالته بكلام ودي في زياراته الاخيرة الى لبنان.
من المؤكد أن الأميركيين أودعوا الفرنسيين مجموعة من الشروط للمضي قدماً بالحلول للبنان الدولة، أولها إنهاء ملف الترسيم البري والبحري مع العدو الإسرائيلي، وثانيها عدم مشاركة حزب الله في الحكومة، عبر استبعاد الأحزاب كافة عن التشكيلة الحكومية القادمة، مع التأكيد أن تكون حكومة مصغرة ببرنامج واضح للإصلاحات على الصعيد المالي والاقتصادي والنقدي، وبزوغ حل نهائي في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، مفتاحه الاساسي الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية المنكفئة سابقاً عن الداخل اللبناني، واليوم هي في صمام الامان بمروحة الاتصالات التي تجريها مع الدول الاقليمية الحليفة وعلى رأسهم الفرنسيين، وذلك بعد اتصال ماكرون الاخير الذي اجراه مع العاهل السعودي لايجاد حل للازمة العاصفة في الملف اللبناني.
ان عزل إيران من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليها وعلى وكلائها في المنطقة، هو ما عرقل مهمة اديب، فلم يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استثمار العقوبات لمصلحته الانتخابية، عبر ملعب تشكيل الحكومة اللبنانية، وهنا "حشر" صديقه ماكرون في مبادرته .
أصّرالثنائي الشيعي على ان تسمية الوزراء الشيعة مرتبط بفرض عقوبات أميركية قبل أسابيع على وزيرين سابقين أحدهما علي حسن خليل وزير المالية السابق المنتمي لحركة أمل، بالإضافة إلى مصالح تجارية مرتبطة بحزب الله.
ونوه ماكرون ان العقوبات التي اتت مؤخراً، لا تبدو أداة جيدة على الأرجح في هذه المرحلة لكنه لا يستثنيها من المشاورات مع الآخرين في مرحلة ما. وأشار إلى أنه لا دليل على أن إيران لعبت دوراً في منع تشكيل الحكومة اللبنانية.
إعطاء ماكرون مهلة ستة أسابيع، ما هو الّا دليل ساطع على ربطه مبادرته بتلك الانتخابات، إذ تكون هوية ساكن البيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة قد تحددت.
إن عامل الوقت سيلعب لعبته، ويكون سيد الموقف في انتظار جلاء الانتخابات الرئاسية الأميركية التي على أساسها سيتبلور مصير المفاوضات مع إيران، وتتبلور ملامح التسوية في المنطقة.
وفي الانتظار، سيكون أمام لبنان مرحلة قاسية وصعبة جداً في ظل تعثر حصوله على الدعم الدولي لإخراجه من أزمته الاقتصادية والمالية، ومده بالأوكسيجين الذي يضعه على سكة التعافي.